الثوري – كتابات
د. ياسين سعيد نعمان
في المعارك المصيرية لابد من استخدام كل ما تستطيع استخدامه من أدوات الدولة والمجتمع، بما في ذلك الإقتصاد والسياسة المالية والنقدية، وخوض معركة الخدمات الإجتماعية بما يجسد الحرص على تعزيز روابط العلاقة بالمجتمع.
يخطئ كثيراً من يعتقد أن الإقتصاد محايد في المعارك الوطنية الكبرى، ولذلك كان لابد من التفكير بجدية في استخدامه في التصدي للإنقلاب الحوثي على الدولة.
من منا لا يدرك أن مساحة الإنقلاب الحوثي قد اتسعت لتشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية والنقدية، وحتى الهوية فإنه يجري إعادة بنائها في الوعي المجتمعي بمفاهيم فوضوية تجند “الإيمان” لإخماد اليمن في صياغة عنصرية لمضمون الهوية، وهذا يعني أن الحوثيين استهدفوا بانقلابهم، سيء الصيت، إعادة تشكيل وبناء كل عناصر منظومة الحياة وفقاً لمفاهيم مغلقة عليهم وعلى ايديولوجيتهم، الأمر الذي يتطلب بالمقابل توسيع المعركة لتشمل كل هذه الميادين.
البنك المركزي بما يقوم به من وظيفة مركزية، وبما يمتلكه من أدوات مالية ونقدية هامة، فإنه يعد عنصراً هاماً في معادلة هذه المعركة، وهو وإن تأخر في استخدام الأدوات الفاعلة فيها فربما لأن ذلك كان بسبب ظروف خارجية غير مواتية، وكذلك تقديراً منه لعدم إلحاق الضرر بقطاع واسع من الأعمال والأنشطة التجارية والبنكية، ناهيك عن مصالح المودعين، على الرغم من إصرار الحوثيين المستمر على اللعب السياسي بالسياسات المالية والنقدية واستخدامها كعنصر رئيسي في تكريس إنقلابها على الدولة وتجذيره في البنية السياسية والإجتماعية للمجتمع، وكان من ضمنها إتباع سياسة نقدية ومالية إستفادت منها جماعة الحوثي وأضرَّت بالاقتصاد، وكان آخرها هو إصدار العملة النقدية المعدنية في خطوة فوضوية مصرة على تصفية معالم الدولة وتكريس الإنقلاب كأمر واقع.
اليوم، وقد اتخذ البنك المركزي في عدن هذه الخطوات النقدية والمصرفية، كتأكيد على أن الدفاع عن سيادة الدولة في أمور لا يجب التنازل عنها إنما هو جزء أصيل من معركة استعادة الدولة، فإنه لابد من إمعان النظر في حقيقة أن العالم الذي دعم هذه الخطوة وتفاعل معها قد سئم من مناورات الحوثي ورفضه لإنهاء الحرب والقبول بعملية السلام، وهو ما يعني أن هذا الأمر يفتح آفاقاً لتوسيع المعركة لم تكن متاحة من سابق بذريعة عدم تعقيد الحل السلمي.
كما أن الإنتقال إلى هذا المستوى من المواجهة لابد أن يدعم بخطة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وخدماتية شاملة تقوم على تغيير المعادلة على الارض.
إن إعادة تصحيح العلاقة بالمجتمع يعد من أهم الشروط الضرورية لتكوين أرضية صلبة للمعركة. ولا حاجة للمزيد من التأكيد على أهمية هذه المسألة في خلق معادلة جديدة من شأنها أن تحدث تغييراً جوهرياً في جغرافية المعركة، فقيادة الدولة تدرك هذه الحقيقة إدراكاً لا غبار عليه، وكل ما عليها هو أن تستخلص من واقع التجربة التي مرت بها، ومما تتطلبه المتغيرات الجديدة، إرادة سياسية قوية تتجاوز الصعوبات الحالية في صورها الموضوعية والذاتية، ذلك أن الهشاشة التي ظهر بها الحوثي، بعد توسيع المعركة على النحو الذي شهدناه خلال الأيام الماضية، لا تترك خياراً غير الإستمرار في التمسك بقيم الدولة وأدواتها لكسر هذا الصلف الذي دمر اليمن ويصر على وضعه خارج معادلة الحياة.