الثوري – تقارير/
كشفت تقرير حقوقي ارتكاب 71 انتهاكاً تعرض لها الصحفيون والاعلاميون في اليمن خلال العام 2023 على يد أطراف النزاع. وقالت منظمة «صحفيات بلا قيود» في تقريرها السنوي الذي صدر تحت عنوان «اليمن: تلاشي الصحافة وتصاعد الانتهاكات» إن الانتهاكات تضمنت اعتقال وإخفاء قسري، واعتداء جسدي ونفسي، ومحاكمات واستدعاء وتهديد وتعذيب وغيرها من صنوف الانتهاكات الجسيمة.
وطبقاً للتقرير تنوعت الانتهاكات ما بين محاكمات واستدعاءات بلغت (17) حالة انتهاك ما نسبته %23.94 من إجمالي الانتهاكات و(13) حالة اختطاف واعتقال واحتجاز ما نسبته %18.30 و(12) حالة قطع وفصل لشبكات الانترنت بنسبة %8.52 وحالات تهديد وتحريض بواقع (9) بنسبة %16.90 وتعذيب بواقع (7) بنسبة %9.85 واقتحام ونهب وعبث بالمؤسسات الإعلامية بواقع (5) بنسبة %7.04 من إجمالي الانتهاكات.
مضيفاً: أن المنع من الزيارة والتواصل وحرمان من الرعاية الصحية للمختطفين بواقع (4) ما يمثل نسبته %5.63 من إجمالي الانتهاكات وحالتان اعتداء جسدي بنسبة %2.81 وحالتان إيقاف رواتب بنسبة %2.81 وحالة اضراب عن الطعام بنسبة 1.40 %.
وبحسب تقرير المنظمة تصدرت جماعة الحوثي بعدد الانتهاكات بعدد (35) حالة انتهاك بنسبة %49.29 من إجمالي عدد الانتهاكات وتليها القوات والتشكيلات العسكرية والأمنية الموالية للحكومة الشرعية بعدد (20) حالة انتهاك ما شكل نسبته %28.16 من إجمالي عدد الانتهاكات ثم قوات الحزام الامني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي بعدد (12) حالة انتهاك بنسبة %16.90 وهناك (3) حالات نفذها مجهولون بنسبة %4.22. وأكد التقرير ان الصحافة في اليمن تواجه أخطار جمة وتحديات غير مسبوقة ويزداد الوضع سوءًا عامًا بعد عام، وتشهد تراجعًا هائلاً في الحريات الإعلامية معتبرا الأحداث الجارية انتكاسة كبيرة للحرية الصحفية، تعيدنا عقودًا إلى الوراء.
وأوضح إن تدني الأرقام في عدد ضحايا الانتهاكات بحق الصحفيين خلال عامي 2022 و2023 لا يعكس حالة من الاستقرار أو نقص في مستوى الانتهاكات بقدر ما هو ناتج عن السطوة الحديدة التي تنتهجها الأطراف المتنازعة بتعاملها مع أي شكل من أشكال العمل الصحفي وهو الأمر الذي تسبب بإغلاق كل مكاتب وسائل الإعلام الأهلية والخاصة التي كانت تعمل إلى ما قبل انقلاب مليشيا الحوثي في سبتمبر 2014، ناهيك عن فقدان غالبية الصحفيين لأعمالهم و اضطر عدد منهم للنزوح والهجرة؛ وبالتالي فإن الحديث بلغة الأرقام ليس مجديا على الأقل في الوقت الحالي، فعلى مدى تسعة أعوام من الحرب يعمل الصحفيون في بيئة غير آمنة، تعرضوا فيها للقتل والتعذيب والإخفاء القسري.
بيئة خطرة
وحسب التقرير فان أطراف النزاع سعت إلى فرض سيطرتها الكاملة على كل وسائل الإعلام في المناطق الواقعة تحت سيطرتها واستخدامها لأغراضها الحربية ناهيك عن فصل وقمع والتضييق على الصحفيين المعارضين لسياستهم وتوجهاتها واعتبارهم خصوم.
وأضاف: في السنوات الأخيرة تعرضت الحريات الإعلامية للتجريف والتهجير إذ صنفت اليمن ضمن أسوأ الدول في العالم في انتهاك الحريات الإعلامية.
ووفقاً للتقارير السنوية الصادرة عن المنظمة فإن عدد الانتهاكات التي رصدتها منذ 2014، بلغت (1657) حالة انتهاك من بين ضحاياها (51) قتيلاً، بالإضافة إلى تعرض المئات من الصحفيين للاعتقال والاخفاء القسري والمحاكمات والاعتداءات والتهجير وإغلاق ونهب مقرات الصحف والقنوات الفضائية.
وقالت المنظمة: إننا نضع هذه التقارير الحقوقية حول الانتهاكات أمام الرأي العام وأمام المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية؛ لنطلعهم على حجم الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الصحفيون والإعلاميون في اليمن، داعية تلك المنظمات للعمل على حماية الصحفيين وتقديم المساعدة والحشد والمناصرة للتضامن معهم.
إفلات من العقاب
خلال سنوات الحرب الأخيرة وثقت منظمة «صحفيات بلا قيود» 51 حالة قتل تعرض لها صحفيون وفي بعض الأحيان تم استهدافهم بشكل متعمد أثناء تأديتهم لعملهم المهني وعلى الرغم من ذلك لم تشهد بلادنا أي عملية تحقيق أو محاسبة لمرتكبي تلك الجرائم! مرت الذكرى الثالثة لاغتيال المصور الصحفي نبيل القعيطي، دون تحقيق العدالة، وسط إهمال وتسيب من قبل الجهات الرسمية. في 2 يونيو 2020، قُتل القعيطي أمام منزله في مديرية دار سعد بمحافظة عدن برصاص مسلحين مجهولين.
وعبرت أسرة القعيطي عن استيائها من عدم وجود أي تقدم في التحقيق في القضية، مؤكدةً أن كل ما تلقاه من النيابة العامة هو عدم الاهتمام وجاء في بيان صادر عن الأسرة بمناسبة الذكرى الثالثة لاغتياله: «إن قضية اغتيال نبيل لا تزال عرضة للإهمال، ولم تتحرك قيد أنملة، وكلما ذهبت أسرته للنيابة العامة للمتابعة لا تجد إلا عدم الاهتمام، وهو أمر يحز في نفوسنا ونفوس كل محبيه.» وطالبت الأسرة بفتح تحقيق شفاف في القضية وتقديم الجناة إلى العدالة وتُحذّر منظمة «صحفيات بلا قيود» من أن الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين يُشكل مشكلة خطيرة. فاستمرار هذه الظاهرة يُفاقم من حدة الانتهاكات، كما هو الحال في بلدنا، حيث أدّى إلى تراجع مريع في العمل الصحفي ككل، بما يعنيه ذلك من حرمان الجمهور من حقه في الحصول على المعلومات.
واعتبر التقرير صمت المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات الجسيمة ساهم بشكل كبير في تفاقمها؛ فغياب المساءلة يُشجع الجناة على الاستمرار في ممارسة جرائمهم الوحشية ضد الصحفيين، من قتل وتعذيب واختفاء.
واعربت المنظمة عن أسفها الشديد لهذا العجز المُخزي من قبل المجتمع الدولي في التصدي لهذه المشكلة، مؤكدة على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات حتى ينالوا جزاءهم العادل، كونها جرائم لا تسقط بالتقادم.
محاكمة الصحفيين
ومثلت محاكمة واستدعاء الصحفيين من قبل الجهات القضائية الأكثر شيوعا بين أصناف الانتهاكات التي تعرضوا لها خلال الصحفيون إذ سجلت «صحفيات بلا قيود» (17) حالة ما نسبته (%23.94) خلال العام 2023.
وطبقا للتقرير استخدمت أطراف النزاع القضاء للتضيق على الصحفيين ووسائل الإعلام، إذ صدرت أحكام قاسية من بينها أحكام بالإعدام بحق صحفيين.
في 9 يونيو 2023، أصدرت النيابة الابتدائية في محافظة مارب أمراً بالقبض على ثلاثة صحفيين للتحقيق معهم، وهم: أحمد عايض، رئيس تحرير موقع «مارب برس»، علي الفقيه، رئيس تحرير موقع «المصدر أونلاين»، ومحمد الصالحي، رئيس تحرير صحيفة «مارب برس». ووجّهت للصحفيين الثلاثة تهم متعلقة بقضايا نشر تناولت توظيف النائب العام السابق ورئيس مجلس القضاء الحالي «علي الأعوش» لأقاربه في السلطة القضائية.
وفي 5 يونيو 2023، استدعى جهاز الأمن والمخابرات بمحافظة عمران الخاضع لجماعة الحوثي الصحفي فهد الأرحبي، على خلفية نشر قضايا فساد.كما رفضت الجماعة الإفراج عن الصحفي نبيل محمد السداوي، على الرغم من انتهاء مدة عقوبته في 8 سبتمبر 2023، قضى السداوي ثماني سنوات في السجن والاختفاء القسري، قبل أن تصدر محكمة تابعة للحوثيين حكماً غريباً يقضي بوضعه تحت رقابة الشرطة بعد إطلاق سراحه، كما أمر الحكم بتوجيه الجهات المعنية بتأهيل السداوي ثقافياً وسلوكياً وفكرياً وتربوياً بالتعاون مع وزارة الأوقاف!
منظمة «صحفيات بلا قيود» استنكرت استخدام أطراف النزاع للقضاء كوسيلة لترهيب الصحفيين، مؤكدة رفضها المطلق محاكمة الصحفيين بسبب قضايا نشر أمام محاكم غير متخصصة بقضايا الصحافة والنشر ودون توفر أدنى فرص العدالة.
الاخفاء القسري
وسجلت منظمة «صحفيات بلا قيود» (13) حالة اختطاف واعتقال واحتجاز تعرض لها صحفيون ما يمثل نسبته (%9.23) من إجمالي الانتهاكات للعام 2023، فيما لا يزال (5) صحفيين معتقلين لدى كافة الأطراف منهم صحفيين اثنين لدى جماعة الحوثي هم (وحيد الصوفي «مخفي قسراً»، والموظف في وكالة سبأ نبيل السداوي، وصحفيين لدى قوات الحزام الأمني بعدن التابعة للمجلس الانتقالي وهم أحمد ماهر، شاكر ناصح وصحافي لدى تنظيم القاعدة بحضرموت مخفي منذ العام 2015 هو محمد قائد المقري.
وحسب التقرير: تبرز قضية الصحفيين وحيد الصوفي ومحمد قائد المقري كأمثلة صارخة على ممارسة الإخفاء القسري للصحفيين، حيث يُحتجز الأول من قبل جماعة الحوثي في حين يُخفى الثاني من قبل تنظيم القاعدة في حضرموت.
في 6 أبريل 2015، اختطف مسلحون حوثيون الصحفي وحيد الصوفي، رئيس تحرير صحيفة «العربية» وموقع «العربية أونلاين»، من أمام مركز بريد في العاصمة صنعاء. تم اقتياده في سيارة بدون لوحة معدنية، ولم تلق عائلته أي خبر عنه منذ ذلك الحين، ولا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم. في عام 2016، اختطف تنظيم القاعدة الصحفي محمد قائد المقري، مراسل قناة اليمن اليوم، في محافظة حضرموت. ومنذ ذلك الحين، لا يُعرف مصيره، ولا يزال مجهولًا حتى اليوم.
لا تزال قضية الصحفي نبيل السداوي، وهو صحفي ومهندس يعمل في وكالة سبأ الحكومية للأنباء، معقدة حتى الآن.
فقد اختفى قسريًا لمدة 4 أعوام تقريبًا منذ اختطافه من قبل جماعة الحوثي في 6 أبريل 2015. أخفت الجماعة مصيره عن عائلته حتى يوليو 2019، حيث وجهت له تهمة التخابر مع التحالف العربي وحكمت عليه بالسجن ثماني سنوات مع احتساب السنوات التي قضاها في السجن.
ولا يزال يقبع في السجن حتى اليوم على الرغم من انتهاء فترة حكمه. وطالبت منظمة «صحفيات بلا قيود» بالإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المعتقلين في السجون. مناشدة المجتمع الدولي بممارسة الضغط على جميع الأطراف المعنية للإفراج عنهم ووضع حد لمعاناتهم.
سجل قاتم
ووثق التقرير (5) حالات اقتحام ونهب وتخريب لمؤسسات صحفية خلال عام 2023، وقالت المنظمة إن جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي لديهما سجل قاتم، وحافل بالقتل والتشريد والاعتقال وترهيب الصحفيين والاستيلاء على مقرات المؤسسات الإعلامية.
ووفقا للتقارير السنوية للمنظمة، فقد تم رصد (37) حالة اقتحام وإغلاق لمؤسسات إعلامية رسمية وخاصة، ولا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.
حيث أغلقت جميع الصحف الأهلية والحزبية الصادرة من صنعاء بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة ومفاصل الدولة. كما تم حجب (31) موقعاً إلكترونياً إخبارياً، وتعرضت (3) منشآت إعلامية للقصف من قبل طيران التحالف العربي.
وتُظهر الإحصائيات الحديثة التي نشرتها نقابة الصحفيين اليمنيين في منتصف العام الماضي حجم المخاطر والتأثيرالسلبي للحرب على وسائل الإعلام اليمنية خلال السنوات الثماني الماضية. وذكرت النقابة أن من بين 365 وســـيلة إعلام، تعمل 200 وســـيلة فقط، بينما توقفت 165 وسيلة. ومن بين 26 قناة تلفزيونية، ما زالت 22 قناة فقط تعمل، وباستثناء بعض القنوات التابعة للحكومة أو أطراف الصراع الأخرى، فإن كل وسائل الإعلام المستقلة تعمل من خارج جغرافيا الجمهورية اليمنية.
وقالـــت النقابة إن الصحف والمجلات هي الأكثـــر تضرراً من الحرب، حيث تم إغلاق 119 من أصل 132 صحيفة ومجلة، سواء كانت يومية، أو أسبوعية، أو شهرية، أو فصلية، بسبب الحرب، وتبعاتها الأمنية، والاقتصادية، والسياسية.
ولا تزال 13 صحيفة فقط تعمل. وفي 1 مارس 2023 ،اقتحمت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي مقر نقابة الصحفيين اليمنيين في محافظة عدن واسـتولت عليه.
وقامت بترهيب الهيئة الإدارية للفرع والعاملين في المقر. وبعد الاستيلاء على النقابة، عرضت حديقة النقابة للاستثمار في 8 ديسمبر 2023، معتبرة ذلك محاولة جديدة للنهب. ومنذ انقلاب الحوثيين على الدولة ومؤسســـاتها الرســـمية فـــي عام 2014، دأبت الجماعة الانقلابية على نهب تلك المؤسسات ونهب مقدراتها، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية الرسمية، وتحويلها إلى ملكية خاصة تابعة لها.
وجددت «صحفيات بلا قيود» إدانتها لهذه التصرفات والسلوك المشين وتضامنها الكامل مع وسائل الإعلام المرئية المقروءة والمسموعة التي تعرضت للاقتحام والنهب، وأكدت على ضرورة إخلاء تلك المؤسسات من المليشيات وإعادة ما تم نهبه ومحاسبة كل من قام بالاعتداء والنهب لتلك الوسائل.
ودعت إلى الإفراج الفوري عن الصحفيين المختطفين والمخفيين قسراً دون قيد أو شرط واحترام استقلالية المؤسسات الإعلامية المهتمة بالحريات، ووقف الاعتداء على مقراتها والعمل على محاربة خطابات التحريض والتهديد والتخوين الموجه للصحفيين ووسائل الإعلام وعدم الزج بالصحفيين في الصراعات السياسية أو العسكرية وتوخي الحذر في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، والتحقق من صحة المعلومات قبل نشرها وتعزيز التضامن المهني بين الصحفيين، وإدانة كل الاعتداءات ضد الحريات الإعلامية وتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم الواقعة بحق الصحفيين وتقديم المتهمين للعدالة وإطلاق رواتب كافة الإعلاميين والعاملين في المؤسسات الإعلامية وتحسين أوضاعهم.