الثوري – كتابات/
عبدالرحيم الكسادي:
يمثل تجديد الخطاب الديني للإسلام موضوعا حيويا يستحوذ على اهتمام واسع في العالم الإسلامي اليوم.
أصبحت الشخصية الإسلامية في العالم غريبة ومتطرفة وتواجه صعوبة في الاندماج في مجتمع اليوم. كما أنها هدفا سهلا ومعززا لصعود التطرف اليميني في العالم. لكن ذلك لا يأتي من فراغ، فالفكر الإسلامي اليوم نفسه يحوي معاداة الغير كمكون أساس في بنيته، وهذا يدخله في عداوة مع كل العالم.
لكن. هل يمكن تحقيق الإصلاح الديني بدون صدام او تغيير جذري؟
ما تقوم به بعض الدول الإسلامية حاليا هو خطوات ايجابية تساهم في تحسين الظروف ولكنها لا تضع الأحجار الأساسية لتحقيق إصلاح ديني مستدام. قامت السعودية بخطوات مهمة في تمكين المرأة وتخفيف التطرف في المناهج المدرسة والانفتاح على العالم. كما تقوم مصر بتعزيز سلطة مذاهب معتدلة عوضا عن جماعات أخرى متطرفة. تصب كثير من محاولات الدول أيضا في تكريس مذهب معين (الصوفية عن السلفية مثلا) أو تكريس دعاة إسلاميين معتدلين في مواجهة اخرين متطرفين. لكن العكس يحدث أيضا.
لا تقوم تلك الدول والمؤسسة الدينية نفسها فيما يتعلق بالإصلاح الديني الا بالتوفيق بين قيمه ومتطلبات العصر أو السلطة الحاكمة باعتباره جزءا من منظومة الحكم في الدول الاسلامية. نرى أنه بمجرد تغير الأنظمة السياسية، انزلقت شعوب الشرق الأوسط نحو الأصولية وأصبحت محكومة من قبل جماعات متطرفة كتلك الشيعية في العراق ولبنان والحوثيين في اليمن وغيرها أو متطرفة سنية كالقاعدة وغيرها في جنوب اليمن مثلا ، يتجلى ذلك عند مقارنة الصور المنشورة للمرأة أيام الاحتلال البريطاني أو الحزب الاشتراكي اليمني والصور الان.
طبيعة السلطة الدينية في المجتمع.
إن طبيعة السلطة الدينية في المجتمع ينبع من كونها مكون ثقافي رئيس وحام أيديولوجي ومرجعية أخلاقية تعبر وتحمي مصالح الفئة الغالبة في المجتمع وتعمل على إعادة انتاج ذات المجتمع ذو الهوية الدينية من خلال احتكارها العملية التربوية وسيطرتها على الفضاء الفكري.
الدين الإسلامي مثله باقي الأديان هو منتج انساني، تطور تاريخيا ولم يسقط من السماء. وبالتالي يمكن مساعدته على التغير بشرط الدفاع عن القيم الإنسانية أولا وعدم وضع القيم الغيبية والحدود أولا. يجب أن تكون القيم المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المقام الأول.
حرية التعبير هو الركن الأهم لتحقيق اصلاح ديني.
لا يمكن تحقيق اصلاح ديني اسلامي دون حماية حرية التعبير. إن حماية حرية التعبير ستمكن الفئات المستضعفة في المجتمع والتي تشكو من الاضطهاد بالحديث علنا والبحث للوصول الى حلول مشتركة تناسب الجميع يمكن تحويلها إلى قيم أو قوانين. ويجب النظر إلى الأصوات المختلفة التي تهاجم التطرف الديني أو القواعد الدينية بشكل عام كالإلحاد والنسوية كجانب إيجابي يدفع بعملية الإصلاح في المجتمع عوضا عن معاداته وتكفيره. هكذا تفعل المجتمعات المتقدمة. ويجب دفع المؤسسة الدينية لتبني ذلك كخطوة أولى.
بدون حماية حرية التعبير لن يكون هناك إمكانية لتناول محاور مهمة مثل نقد التاريخ الديني، ونقد قضايا المرأة لتحقيق المساواة، حماية حقوق الأقليات، الغاء حد الردة، واعتماد حرية الضمير والمعتقد، وابطال الحجاب، وإلغاء الزامية الجهاد، وستكون النتيجة فقط إعادة انتاج للحركات الدينية الإسلامية بشكل يخدم الظروف السياسية للفئات المسيطرة.
بعض الآليات الممكنة لتحقيق حرية التعبير
لتحقيق حرية التعبير يجب اعتماد مجموعة من الآليات تشمل حزم إصلاحات تشريعية وتعليمية وثقافية وإعلامية. يتطلب ذلك تعديل القوانين لضمان حماية حرية التعبير، وتعزيز استقلالية القضاء، وضمان حقوق الصحفيين والناشطين والمفكرين ، وعدم قمع المعارضين والمختلفين. إضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التربية على حقوق الإنسان وتطوير مهارات التفكير النقدي في المناهج التعليمية، بحيث تكون هناك عملية تحسين مستدامة للمجتمع، إلى جانب نشر ثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر عبر الأنشطة الثقافية والمجتمعية المختلفة. يجب أيضا دعم المؤسسات الأبحاث الفكرية والثقافية وعدم اتهامها بالإلحاد.
أما من ناحية الإعلام، فيجب دعم استقلالية وسائل الإعلام المبادرات الإعلامية المستقلة، مع تحسين الوصول إلى الإنترنت ومكافحة الرقابة الإلكترونية. كما ينبغي دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، وتقديم الدعم المالي والتقني للمبادرات المجتمعية، والتعاون مع المنظمات الدولية لتعزيز هذه الحقوق. تتطلب هذه الإجراءات التزامًا سياسيًا قبل كل شيء واجتماعيًا لتحقيق تغييرات جذرية ومستدامة.