الثوري – كتابات/
أحمد السلامي:
وصلنا إلى زمن الرجعية التي فَرَضت نفسها وسلوكها وشخوصها على حياتنا وواقعنا. فلا تصدقوا شكليات ومظاهر التحديث التي يتستر خلفها الرجعيون الجدد.
اليوم يمكن أن يكون الرجعي حاملًا لشهادة الدكتوراه، ويرتدي البدلة وربطة العنق وليس رداء الفقيه أو رجل الدين أو زعيم العشيرة، بل يمكن أن يكون جنرالا أو قائدًا سياسيًا يضع علم الجمهورية خلفه، ويتحدث باسم مصلحة الشعب، لكنه في الحقيقة يخدم الرجعية ويجند نفسه ومواهبه لصالحها.
ومن كانوا يرددون هذه الكلمة أو يسمعونها وهم لا يعرفون معناها فقد وصلوا إلى زمنها، إذ إنَّها لم تعد كلمة في القاموس بل واقعاً نعيشه ونراه وهو يجر بلداننا إلى الماضي ويسخرها لخدمة مراكز الرجعية وبرامجها وأهدافها التي تغيرت قليلًا لكنها محافظة على أصولها وميولها وارتباطاتها الدولية مع الرجعية العالمية.
قبل عقود كانت الرجعية مجرد مصطلح في أدبيات السياسة والفكر اليساري، ويستخدم لوصف الأفكار أو الممارسات التي تعتبر معادية للتقدم أو التطور الاجتماعي. كما كانت ترتبط بالمعارضة للثورة أو الإصلاح الاجتماعي، وبالدفاع عن التقاليد الاجتماعية المتخلفة، خاصة تلك التي تعتبر غير عادلة أو قمعية.
صحيح أن الأنظمة التي تدعم الرجعية السياسية قد تغيرت قليلا وأصبحت متسامحة على سبيل المثال مع حقوق المرأة بعد أن ثبت للجميع أن المرأة تساهم باقتدار في التنمية، لكن جوهر الرجعية وخطابها ومحرماتها ما تزال فاعلة، لذلك تم تخريب السياسة في المنطقة لأن الفعل السياسي يقود إلى التنظيم والتفكير والفرز العلمي الدقيق والمنطقي الذي يستطيع التفريق بين القوى وتسميتها بأسمائها التي تليق بها وتشير إلى مرجعياتها وإلى غاياتها وأهداف تحركاتها.
وبعيدًا عن الآخرين الذين يتصالحون مع واقعهم، دعونا نركز على الوضع في اليمن الذي يمثل واقعه المتشظي اليوم صورة واضحة لهيمنة الرجعية وتمددها وتقسيمها للبلاد بين قوى التخلف التي ترفع شعارات مختلفة لكنها متفقة على استهداف تقدم اليمن ومتحدة ضد عودة السياسة إلى المشهد اليمني ورافضة لعودة الجهود الرامية إلى بناء الدولة الحديثة.
الرجعية في صنعاء فاقعة اللون وواضحة المعالم وترفع لواء الولاية المناقض للنظام الجمهوري ولسيادة الشعب، والرجعية في عدن مفضوحة لأنها تعتبر الجنوب وجهة جغرافية قبلية بلا ثقافة وبلا تاريخ وبلا وعي، وتعتبره قطعة أرض لصاحبها ومن حقه أن يسورها أو يبيعها أو يؤجرها، وهنا يظهر مفهوم رجعي متخلف لمعنى الوطن. بينما تتجسد الرجعية في مأرب وتعز في الخطاب الإخواني الذي لا يختلف إلا قليلا عن خطاب أنصار الولاية، وهو ينحاز نظريا مع خطاب الخلافة، ولدينا كذلك رجعية تتخذ من المخا قاعدة للبكاء على أطلال زعامة بائدة حولت الجمهورية إلى ملكية فردية لعائلة، ولدينا نخبة من السياسيين الذين اعتبروا الوضع العائم للبلد فرصة للإثراء واكتناز الأموال التي يحصلون عليها مقابل تمثيل دور المؤسسات الشرعية المكبلة والعاجزة عن بناء خطاب وطني حديث ومبادر يمكنه إدارة الصراع مع قوى التخلف من داخل وعي متقدم وقادر على تحديد أولوياته.
ولعل ما يوحد بين مختلف هذه المظاهر الرجعية هو العداء الذي تكنه للسياسة والثقافة والنقد، وميلها إلى الاستبداد وتأجيل كل نقاش عقلاني واتهام صاحبه بتفريق الصف وهم بالطبع يقصدون الصف (الرجعي) الذي يتقاسم البلاد ويؤجل البحث عن حلول لتغيير الواقع الراكد.