المدنيون العزل في مواجهة الوحشية الحوثية
الثوري / خاص
تقرير/ جابر صالح البدوي :
شنّت جماعة الحوثي يوم الخميس، السادس من يونيو الجاري، حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من اليمنيين الموظفين لدى الأمم المتحدة والوكالات الاممية التابعة لها، وقيادات في المجتمع المدني، في صنعاء والحديدة وعمران وحجة وصعدة. مع إعادة اعتقال موظفين سابقين في سفارتي أمريكا بريطانيا في صنعاء.
وقدّرت مصادر حقوقية عدد المعتقلين مابين ٣٠ إلى ٣٥ شخصا جرى اعتقالهم من قبل عناصر تابعة لجهاز الأمن والمخابرات وأودعتهم معتقل الأمن والمخابرات.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن سلطات الأمر الواقع الحوثية احتجزت 11 موظفاً أممياً محلياً يعملون في اليمن.
سلسلة من المداهمات شملت منازل ومكاتب المستهدفين مع مصادرة هواتف وأجهزة حواسيبهم الشخصية وتفتيش غرف نومهم وهواتفهم وهواتف أقاربهم دون الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم.
يتعرض الكثير من اليمنيين الحملات توحش حوثية مستمرة منذ سنوات غير أن عمل المعتقلين لدى جهات دولية يتيح لوسائل الإعلام تسليط الأضواء عليهم في حين تظل حملات التوحش الأخرى بعيدة عن الأنظار.
أعادت هذه الحملة التذكير بمصير ثلاثين من زملاء المعتقلين مازالوا رهن الاعتقال لدى سلطات الحوثي منذ ثلاثين شهرا.
ونقلت وسائل الإعلام عن ناشطين وعاملين لدى منظمات أممية ودولية قولهم إن زملاء لهم اختفوا عن الأنظار مع بدء حملة الاعتقالات الجديدة، ورجحوا أن هؤلاء يبحثون عن مخرج للفرار إلى مناطق سيطرة الحكومة خشية الاعتقال، وأعربوا عن خشيتهم من تعرض المعتقلين للتعذيب والاتهام بالجاسوسية كما حصل مع آخرين من قبل، وإذا ما أحيلت ملفاتهم إلى المحاكمة فسوف تصدر أحكام بالإعدام في حقهم.
وذكروا أن الحملة مستمرة، حيث واصلت الجماعة البحث عن عاملين سابقين لدى منظمات أممية ودولية محددة لاعتقالهم، وإن الحملة طالت مكاتب تدقيق محاسبية تعمل لصالح الجهات المستهدفة بالاعتقال.
رفض وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، إقدام مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لايران، على شن حملة اختطافات واسعة طالت العشرات من موظفي الأمم المتحدة والوكالات الاممية التابعة لها، ومكتب المبعوث الاممي هانس جروندبرج.
وأوضح في تصريح صحفي، أنه وفقاً للقانون الدولي الإنساني، فإن العاملين في المنظمات الإنسانية يتمتعون بحماية خاصة تضمن سلامتهم وأمنهم أثناء أداء مهامهم.
وأعاد إلى الأذهان أن مليشيا الحوثي سبق وأن قامت خلال الأعوام الماضية باختطاف العشرات من موظفي الامم المتحدة، كما تواصل اختطاف ثلاثة منهم (اثنان منذ نوفمبر 2021، وآخر منذ أغسطس 2023)، وأحد عشر من موظفي السفارة الأمريكية لدى اليمن والوكالة الأمريكية للتنمية المحليين “السابقين، الحاليين”، منذ قرابة عامين ونصف، واخفائهم قسرا في ظروف غامضة، ودون أن توجه لهم أي تهم، او السماح لهم بمقابلة اسرهم.
وقال الارياني “أن ما يسمى جهاز الامن والمخابرات التابع لمليشيا الحوثي، اقدم في أكتوبر 2023 على تصفية هشام الحكيمي أحد موظفي منظمة (save the Children) المتخصصة برعاية الأطفال، تحت التعذيب بعد قرابة شهرين من اختطافه، وسبقه في يونيو/حزيران 2022، مقتل عامل الإغاثة “ياسر جنيد” في معتقله السري بالحديدة.
وأوضح بيان لمنظمة «ميون» لحقوق الإنسان بأن ما قامت به الجماعة «ممارسات قمعية شمولية ابتزازية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية». غير أن مراقبين صحفيين أعادوا هذه الحملة إلى فشل سلطات الحوثي في حماية المدنيين ومنتسبيها من المليشيات من الضربات الجوية التي تشنها أمريكا وبريطانيا على مواقع مختارة ما أدى إلى مقتل وإصابة ٥٨ مواطنا بداية شهر يونيو الجاري. وبالتزامن مع الاعتقالات كان زعيم الحوثيين في خطاب متلفز يتوعد بريطانيا وامريكا بالمزيد من الهجمات المشتركة مع المقاومين العراقيين.
ومع كل فشل سياسي تزداد جماعة الحوثي توحشاً. لكن أن يشمل التوحش القضاء والمحاكم فإن المصيبة تبدو أعظم:
في الثاني من الشهر الجاري أصدرت المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب حكما بل أوامر بإعدام ٤٤ مدنيا بتهمة التخابر مع التحالف العربي. وقال المأمون ان المتهمين تعرضوا لأبشع صنوف التعذيب بعد أن ظلوا مختفيين قسرا في زنازن انفرادة لمدة تسعة أشهر . ولم يتمكن المحامون من الاطلاع على ملفات المتهمين حتى صدور الأحكام.
كما أصدرت من المحكمة قبل ذلك أوامر باعدام عدنان الحرازي مدير شركة “برودجي سيستم Prodigy Systems”، تعزيراً، ومصادرة أمواله وكل ممتلكات شركته وأرصدتها المالية، بذريعة تعاقد الشركة مع منظمات دولية”.
وفي ٥ ديسمبر الماضي أمرت بإعدام الناشطة النسوية فاطمة العرولي بتهمة التخابر مع دولة الإمارات العربية المتحدة وساعدتها على شن العدوان على اليمن.
مثل هذه الأحكام تنتظر القاضي عبدالوهاب قطران، الذي جرى اختطافه من منزله في يناير 2024، دون مراعاة للحصانة التي يمتلكها الرجل بذريعة حيازة الخمر في منزله قبل أن توجه له تهمة “إذاعة أخبار وإشاعات كاذبة وتحريضية ضد قيادة الثورة (في إشارة إلى زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي).
أبرز مثل توحش الحوثة في سلك القضاء إعدام ٩ أشخاص من أبناء تهامة في ديسمبر ٢٠٢١م بذريعة اشتراكهم في مصرع القيادي الحوثي صالح الصماد الذي قضى في ضربة جوية للتحالف العربي في أبريل ٢٠١٨م بزعم دس شريحة هاتف في جيب أحد مرافقي الصماد. بعد أن كانت المحكمة أمرت بأعدام ٦٢ متهما في قضية الصماد بينهم ٤٧ في الحكومة الشرعية..
وقال بيان عن الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، أن جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب العالمي استخدمت القضاء بشكل غير قانوني بغرض الانتقام السياسي، ذاكراً أن تلك المحكمة تعتبر منعدمة الولاية والاختصاص بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى الصادر بتاريخ 20 أبريل 2018م. وذكرت أن قرار مجلس القضاء الأعلى قضى بإنهاء مهام الجزائية في صنعاء، واختصاصها ونقل ذلك إلى المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بمأرب، كما صدر قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (38) لسنة 2019م بعدم التعامل مع جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين.
في الواقع لا يكفي الفشل السياسي لتفسير التوحش الحوثي. فقد خرجت الجماعة من حروب صعدة الستة متوحشة لا تؤمن إلا بالعنف ( التوحش) وسيلة لحسم الاختلاف وحتى لحسم الخلاف في الرأي.. وعندما تحركت نحو العاصمة صنعاء بأموال خليجية لم تسلم من عنفها أي محافظة دختها الجماعة، بما في ذلك المحافظات المسألمة التي لا تعرف السلاح.
بدا أن لا مستقبل للجماعة فمن المستحيل العودة إلى مشروع الفاطمية السياسية الذي غابت شمسه في القرون الوسطى وإن عاش متحشرج النفس في بعض كهوف اليمن فإن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كانت قد فتحت الآفاق أمام اليمنيين ولم يعد بالإمكان تغطية عين الشمس بمنخل.
عام ٢٠١٥ قال لي أحد خبراء السياسة وفلسفة التاريخ إن الجماعة تشعر انها في غرفة مغلقة ما يجعلها متوحشة كما تتوحش القطة.
كان يعلق على ما لاحظته من توحش عناصر مليشياتها العائدين من الجبهات. مجموعة من الشباب كانوا من أكثر الناس مسالمة في حارتنا حتى سلموا أنفسهم لما يسمونه الجهاد في الجبهات. أقسموا يومها انهم سيقتلون الجنود المتظاهرين في ميدان التحرير المطالبين بمرتباتهم بتهمة الخيانة. وفعلا بدأوا بإطلاق النار على أقدام المتظاهرين قبل أن يوجهوا رصاصاتهم عشوائيا على الأجزاء العلوية من أجسام الجنود.
كل اليمنيين خونة في نظر الجماعة. أي يستحقون القتل. حتى أولئك الذين شاركوا في مؤتمر معلن مثل مؤتمر الرياض للقوى السياسية اليمنية في ١٧/ ١ /٢٠١٥م. حتى حلفاء الجماعة لم يسلموا من توحشها.
دفع اليمنيون ثمناً باهظاً لهذا التوحش يقدره المهتمون بمئات الالاف من الأرواح في المدن والارياف بالمقذوفات النارية والألغام وعودة الأوبئة والأمراض السارية.
ومايزال العداد مفتوحا.