كتابات

سعياً لتحقيق دولة مدنية لا مذهبية

الثوري – كتابات 

حسن الدولة:

من الثابت تاريخياً بأن مكمن قوة الإسلام في رسالته القرآنية، وان مكمن ضعفه في أن فقهاء المسلمين الذين اهتموا بكتابة المجلدات في إمامة الصلاة ولم يهتموا بتأليف كتاب واحد يوضح كيف يجب اعتلاء الحكم*، فصار الحكم ملكاً عضوضاً منذ عهد معاوية مروراً بالعصر العباسي والفاطميى والهادوي وحتى يو الناس هذا، وتأريخنا يصبت صحة حديث نبينا للكريم عليه الصلاة والسلام: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة أول نقضها الحكم).

وبذلك تاريخنا فإن كل الدول التي اطلقت على نفسها إسلامية لا تمت إلى الإسلام بصلة، أي أن تريخنا لم يعرف دولة دينية قامت على أساس حكومة شوروية دينية، ماهت الحكم النبوي روحياً ووجدانياً، ولا يقاس على حكم الرسول عليه أفضل الصلاة الصلاة والسلام، فدولته كانت دولة إسلامية لا دينية وكان حكمه حكماً مدنياً، يشهد له بذلك أول دستور سمح بالتعددية الدينية المعروف بصحيفة المدينة، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يستمد شرعيته من مبايعة الناس له على أن يحكم وفقا للمبادئ التي كان يعلنها لكل من بايعه من الرجال والنساء، ومن بعده حكم بذات النهج إلى حد ما الخلفاء الراشدون باستثناء أخر فترة الخليفة الثالث عثمان بن عفان الذي ترك الخلاقة للطلقاء يعبثون بها حسب اهوائهم مستغلون كبر سن الخليفة، وعندما ثارت الأمصار ضده وطالبته بالتنحي عن الخلافة زعم انه معين من قبل الله فقال لهم (والله لن أخلع قميصاً البسنيه الله)، ثم جاء الخليفة الخامس عمربن عبدالعزيز الذي رفض الحكم الوراثي، أسوة بمعاوية بن يزيد الذي رفض ان يتولى بعد أبيه غير الخليق بحكم الأمة وجده الذي نازع الحق أهله حسب تعبيره، فأعاد الأمر للأمة لتختار لنفسها حاكما، فأنقلب عليه بنو مروان ومات مقتولاً رضوان الله عليه، لكن عمر بن عبدالعزيز عندما اطلع على وصية تعيينه خليفة علم ان الحكم كله لله، أي من حق الأمة وليس سقط متاع يورث فدعا الناس إلى لجامع، وقال لهم (لقد وليت عليكم بدون مشورة مني ولا رضي منكم فأنتم ومن تختارونه حاكماً عليكم) فصاح الجميع بل إياك نختار!.

وهكذا تم اختياره من قبل اصحاب الحق – الأمة- وسار فيهم سيرة عدل وإنصاف، حتى استحق لقب الخليفة الخامس بجدارة، حيث كان الحكم من قبله ومن بعده حكماً دينياً عضوضاً، يستخدم الدين وفقاً لخدمة أهواء السلاطين، وفي عهود من تولى بعده صاغ الفقهاء النظريات الفقهية وتعددت المذاهب التي صار أقوال أئمتها حاكمة للنص الاول – القرآن – والثاني – السنة – الأخير صار حاكماً للنص القرآني، ما يعني أن حكم الخلفاء الخمسة لا يمكن تكراره باعتباره «فلتة» بحسب تعبير عمر بن الخطاب عن بيعة أبي بكر، الذي قطع الطريق على الملأ من عمالقة قريش، ممن كانوا يظنون أنهم الوارثون والامتداد الطبيعي للحكم النبوي، بحكم القربى وأهلية وأحقية قريش، الذين كانوا سدنة دين العرب قبل الإسلام، وذلك بتقاطعه مع مؤتمر الأنصار، الذي كان يعتزم اعتماد مرشح منهم، باعتبار الدولة قامت على مدينتهم وأنهم الأحق بحكمها، لإيمانهم بأن الحكم زمني لا روحي (بحسبهم)، إضافة إلى خشيتهم من انفراد قريش بخلافة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفقاً لما تم في (سقيفة بني ساعدة)، والذي انتهى بنزول أغلب الأنصار عند رأي عمر بن الخطاب، في استخلاف أبي بكر الصديق، بعد تطمينات بحفظ حقوق الأنصار، وعدم استحواذ قريش على الأمر من دونهم.

الذي أخلص إليه، أن تاريخنا لم يحفل بتجربة حكم «ثيوقراطية» خالصة، بينما المسيحية هي التي حكمت كدولة دينية، بينما الاسلام جاء بالدولة المدنية التي تستمد شرعية الحكم من الشعب، فالله سبحانه في كتابه العزيز أمر الأمة أن تحكم بالعدل، ولم يعط سلطة لإنسان على أخيه الإنسان مهما بلغ شأوه في المجتمع وعلا كعبه في الدين: قال سبحانه للرسول الكريم: (لست عليهم بمسيطر) وليس بوكيل ولا بجبار وما عليه ولا البلاغ.

وبالتالي فلا معنى لدولة الخلافة التي يدعو إليها دعاة الإسلام السياسي؟ وبخاصة انهم لا يمتلكون تجربة تاريخية لخلافة قامت على أساس ديني متماهٍ مع حكم دولة النبي والخلفاء من بعده، فهم في حقيقة الامر يحملون بمشروع فانتازي ينتظر التجريب والواقع، ويخضع للصح والخطأ وعدم الإستفادة من تجارب الآخر التي اصبحت قيما كونية، وما تعيشه حركات الإحياء الديني اليوم هو نوع من يوتوبيا دينية، ثيوقراطية تكرر النموذج العضوض والتجربة الكنسية في الحكم باسم الله وتحن إليها، وتظن أنها قادرة على التماس مع حكم الله ومشكاة النبوة. في حين انها لا تمتلك تصوراً حقيقياً وعقلانياً لمعنى الخلافة، غير الرغبوية التي لا يدعمها غير المخيال والذكرى والحنين، دليل ذلك المتكرر يكمن في التجارب التي حايثناها لحكمهم في البرازخ التي تمكنوا من حكمها، والتي أثبت التاريخ فشلها وتقهقرها عن التماهي مع روح الدين ومثالاته ومقاصديته، ونموذج تلك الدولة تكرر في (أفغانستان – الصومال – قطاع غزة – الرقة في سورية حالياً، وقبلها حلب من داعش، واليمن عبر محاولة انصار الله البائسة)، ونماذج أخرى شاهدة على شكل الحكم من الحالمين بحكم ثيوقراطي، تلك الشواهد من الحكم التي سنحت للإسلامويين، أكدت أن فكرة الخلافة في لاوعي الرغبويين الدينيين فكرة مشوهة، لا تدعمها حقيقة وإمكان عقلاني وواقعي أو حتى تاريخي، إذ تتناهى (فكرة الخلافة) في وهم تطبيق الشريعة المنقوص، ولذلك نراهم حال تمكنهم (تمكينهم) يشرعون في إقامة الحدود، برجم الزاني وقطع السارق وقتل المرتد، بوصفه تحكيماً للشريعة، لتكون الشريعة عندهم هي: إقامة الحدود وتكوين الحسبة وقسر الناس على الصلاة والحجاب ونحو ذلك من المسائل الفرعية الخلافية التي بعضها ما انزل الله به من سلطان وإنما تجاوزاً وتعدياً لحدود الله التي لا يفترض إنسان وازن معرفياً أنها هي الإسلام، عنيت من ذلك أن أوضح تناهي ماهية فكرة الخلافة عند دعاة الإسلام عند مجموعة من الأفكار الفرعية، التي لا تمتلك إمكان إدارة دولة في هذا العصر عصر الدولة الحديثة.

وهكذا نجد نماذج الدول الإسلامية عبر كل تاريخنا ليست دينية، وإنما سياسية براغماتية تستمد شرعيتها من خلال التدثر بالدين.

الإسلامويون ما بين ذاكرة مسكونة بتجربة روحية زمنية عظيمة (النبي صلى الله عليه وسلم)، وما بين حاضر لا يعتد بالفكرة الروحية العتيقة ولا يعترف بغير الدولة الزمنية، وذلك ما أحدث في اللاوعي الديني حالاً من الفصام والتمزق الذي أنتج فكرة دولة دينية ذات ملامح مزدوجة ومتضادة، فلا الخلافة ممكنة التطبيق، لعجز الوعي عن صياغتها نظراً إلى خرافيتها، ولا الديمقراطية مقبولة ومستساغة لكفريتها وطاغوتيتها، ما حملهم مع الثورات على تسور الديموقراطية للوصول إلى التأبيد عبرها (نحن الآن هنا)، إنهم يراوحون حول الديمقراطية التي كانوا يكفرونها، لشعورهم بأنها سبيلهم في الوصول الذي يضمر الانقلاب على الديمقراطية نحو الشمولية، وما علاقتهم بالديمقراطية إلا كالعلاقة بأكل الميتة للضرورة، وقد استطاع البروفيسور الشهيد أحمد شرف الدين طيب الله ثراه، أن يخرج للأمة بتصور للتخلص من سفك الدماء والحروب الناجمة عن الدولة الدينية، لكنهم انقلبوا على كل تلك الطموحات والاحلام التي راودت الشهيد وهو يناضل من أجل بناء دولة مدنية اتحادية توافق عليها كل الأفرقاء في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي خرج بأفضل وثيقة تحقق حلم شباب ثورة 11 فبراير 2011 المجيدة، ذلك الحلم الذي سوف يحقق السلام والأمن والاستقرار في ربوع اليمن باعتبار ان ما سل سيف ولا اهرقت قطرة دم في الإسلام إلا بسبب الحكم – الرئاسة الإمامة-.

لا اعتبار بكتاب شهنامة أو الاحكام السلطانية للماوردي وكل مؤلف شرعن لمن سبق من الحكام منذ اول خليفة وحتى دول السلاطين.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى