العاطفة اليمنية ومأزق التفكير
الثوري – كتابات
آزال الصباري
أزمة الذات الوطنية والخذلان الذي يعانيه الإنسان اليمني يجعله يتعلق في قشة العاطفة المبالغ فيها، تلك القشة التي قسمت كل شيء يمني جميل وحولته إلى نزاعات أفقدت الناس منطقية التفكير المواكبة للعصر.
إن قشة العاطفة قد كسرت كل شيء جميل لأنها حولت المنطق إلى همجية غير مبررة سواء في الفعل أو القول، وحولت كل ما يحيط بنا إلى صراع عاطفي جمعي، وما حدث مؤخراً مع الفنان فؤاد عبدالواحد الذي تعرض لهجوم شديد بعد تصريحه الأخير الذي قال فيه: «أنا من أصول يمنية ولدي جنسية بحرينية»، فقامت الدنيا ولم تقعد، قد تكون عبارة فؤاد غير مدروسة جيداً، وتنم عن تسرع وارتباك أو أشياء أخرى إلا أن ما قاله لا يستدعي ما حدث.
إن العاطفة مهمة وجزء من تركيبة الإنسانية والمجتمعات لكنها حين تصبح أمراً مبالغاً فيه وتتحول إلى تعصب أعمى، فإنها تصبح ضرراً وخطراً مثلها مثل أي شيء خطير يقلق حياة الإنسان، حتى عاطفة الأمومة حين يغرق بها الطفل تصبح مشكلة معقدة وتؤثر سلباً في سلوك الفرد. فماذا إذا صارت العاطفة العمياء صفة بل مكون رئيس في سلوك مجتمع بأكمله؟ الأمر يدعو للقلق تجاه حاضر هذا المجتمع ومستقبله، فالعاطفة في هذه الحالة قد تتغلب على العقل والمنطق الذي يتطلب توازناً يحافظ على بقاء هذا المجتمع سليماً من الإضطرابات السلوكية المخزية.
مؤخراً أصبحت عاطفة اليمنيين تجاه كل ما هو يمني أمراً مبكياً مضحكاً في آن، ويدعو للتساؤل. فاليمني يعتقد أنه محور العالم، وأن العالم يجب أن يكون نسخة مكررة منه وإلا فهو (العالم) لا يستحق الحياة أو أن الحياة التي يعيشها بقية البشر في هذا الكوكب ليست صحيحة.
ومن هذا المنطلق أصبح التفكير العاطفي سلوكاً جمعياً يحرك بوصلة العقول اليمنية العاجزة عن صنع حاضر إنساني يواكب عجلة الحياة في هذا الكوكب فتجد الأغلب يعيش على أمرين. الأول: الحنين إلى الماضي العظيم وتمجيده، أما الثاني فملاحقة كل من يتحدث عن اليمن القديم أو أي لسان تمدح وتثني على اليمن. الكارثة أن هذه السطحية أصبحت أمراً مفضوحاً أمام بقية العالم وأصبحت نقطة تُستغل في مواقع التواصل الاجتماعي بغرض كسب عدد أكبر من قطيع العاطفة اليمنية، وهذا أمر واضح جداً للجميع ويمكن لأي أحد أن يلاحظه.
في الجانب الآخر الأهم والاخطر هو التعصب الأعمى الذي يحرك عاطفة السواد الأعظم من اليمنيين، فاليمني لا يقبل أن يخالفه أحد في رأيه، ولا يستجيب لأي رأي أو نقاش يخرجه من مصيدة العاطفة، فمثلاً: لا يجوز ليمني نفته قساوة اليمن أن يقول في يوم من الأيام أنا لا أحب اليمن، تلك البلد التي لم تمنحني فرصة كريمة للحياة، نعم لا يجوز! بل ستصل تلك الجملة المنطقية إلى درجة الخيانة الوطنية، يتعرض بسببها لهجوم قاسٍ يصل للسب والقذف بلغة بذيئة رخيصة، أما في حال وجود هذا الشخص في اليمن أو عودته فمصيره سيكون أمراً مجهولا.
لماذا؟
لقد ساهمت عدة أسباب في وصول العقل اليمني لهذه المرحلة السطحية والخطيرة، منها:
– عدم استقرار هذا البلد منذ سنوات، وعجزه عن صنع حاضر يضاهي ما يعيشه العالم منذ عقود مضت.
– فشل الحكومات – على مرِّ أجيال متلاحقة- في إجياد دولة قائمة على العلم المتجدد.
– موجة التفكير الضيقة والمحصورة بالنسب والحسب، تلك الموجة المنعزلة عن تيارات العالم هي نتاج طبيعي للسببين الأول والثاني أشد تأثيراً.
– شعور اليمني بالضعف وقلة الحيلة ما جعله هشاً يحركه الحنين لماضي الأجداد العريق ذلك الماضي الذي لا يزال محل دهشة الكثير من المستشرقين والدارسين.
لا يمكن لليمن كشعب أن يتقدم خطوة للأمام وهو لا يزال يفكر بعاطفته ويسلم لها الأمر في مختلف القضايا المحلية أو الإقليمية وحتى العالمية.
لقد عجزت هذه البلاد أن تحفز طاقات أبنائها لخلق حاضر يمنحهم حياة كريمة تجنبهم هذا الضياع الذي جعلهم خارج حدود العقل وداخل سجن العاطفة، لذلك سيغرق المجتمع في مصيدة العاطفة التي ستؤخر لحاقهم ببقية شعوب العالم التي تشتغل بنسبة كبيرة على العقل وتترك العاطفة للأمور التي لا تهدد نضج العقول المنتجة في هذا الكوكب.