الثورة والثورة المضادة .. مقدمات وإرهاصات عهد علي عبدالله صالح (2)
الثوري – كتابات/
طاهر شمسان
موقف الغشمي من المشايخ:
قلنا إن الحمدي في مجلس القيادي كان جملة اعتراضية في نص معظمه ثورة مضادة، أما الآن ومع أحمد حسين الغشمي فنحن أمام نص كله ثورة مضادة.
كان الغشمي زمن الحمدي يتبنى المواقف نفسها التي يتبناها الحمدي من مشايخ القبائل، ومن الطبيعي والأمر كذلك أن ينفذ انقلابه على الحمدي بغير تنسيق معهم، وهذا لأن الدور الموكل إليه سعودياً يختلف عن الدور الموكل إليهم.
وفي (ص224) من مذكراته يقول الشيخ عبدالله إن الغشمي -عندما أصبح رئيساً- «بعث إلينا برسالة يطمئننا ويؤكد لنا أن الخلاف الذي كان موجوداً بيننا وبين الحمدي قد انتهى، ويطلب منا أن نبقى في خمر وألاَّ ندخل صنعاء».
وفي (ص225) يضيف الشيخ عبدالله أن الغشمي ظل يطلب من المشايخ التريث، وأنه سوف يلتقي بهم كضيوف في بيته بمنطقة ضلاع، وأن اللقاء تم بالفعل وخلاله أكد لهم الغشمي «أنه معهم وأنهم وإياه في خط واحد»، ثم طلب منهم «أن يؤجلوا أي شيء وأن يتركوا له فرصة».
وأخيراً، وفي محاولة للتغطية على ما هو مكشوف، يقول الشيخ عبدالله «لم يكن عندي أي مطالب على أحمد حسين الغشمي حتى يتبين موقفه».
ملاحظات على كلام الشيخ عبدالله بشأن موقف الغشمي من المشايخ:
استمرت فترة الغشمي (أكتوبر 1977 – يونيو 1978) حوالي ثمانية أشهر وثلاث عشرة يوماً لم نجد في مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر كلمة واحدة تشير إليها لا بالسلب ولا بالإيجاب.
لكن لا بأس من التذكير بأن الحمدي -وهو من قوى الثورة- ذهب شخصياً إلى خمر لمواجهة مشايخ القبائل في أوج خلافهم معه وقال لهم بالحرف الواحد: إن العاصمة صنعاء مفتوحة لكم دائماً لتدخلوها بسلام آمنين باعتباركم مواطنين ولكن بغير سلاح وتحت حماية الدولة.
أما في فترة الغشمي -وهو من قوى الثورة المضادة- فقد كانت صنعاء محرمة على المشايخ بإرادة رئاسية صريحة رغم أن الخلاف بينهم وبين الرئيس لم يعد موجوداً. وليس لهذا أي تفسير سوى واحدية التوجيه القادم من وراء الحدود.
والأرجح عندنا أن مصدر التوجيه لم يكن ينظر إلى الغشمي على أنه الشخص المطلوب ليكون على رأس الدولة الوظيفية لاعتبارات لا نعلمها على وجه اليقين.
وفي هذا السياق يجدر بنا أن نذكر شيئين اثنين أقدم عليهما أحمد حسين الغشمي في فترة رئاسته وهما إلغاء مجلس القيادة، وإنشاء مجلس الشعب التأسيسي برئاسة عبدالكريم العرشي.
والأرجح عندنا أن مجلس الشعب التأسيسي الذي نشأ بتاريخ 6 فبراير 1978 إنما نشأ بإرادة خارجية في إطار التخطيط لنقل السلطة من أحمد حسين الغشمي إلى علي عبدالله صالح.
مقتل أحمد حسين الغشمي وتنصيب علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد:
ووري الغشمي الثرى يوم 26 يونيو 1978، ويومها كان مشايخ القبائل قد وصلوا من كل مكان إلى صنعاء للمشاركة في التشييع.
وفي هذا الوقت كان رئيس مجلس الشعب التأسيسي عبدالكريم العرشي قد أصبح بموجب الدستور رئيساً للبلاد من 24/6/1978 إلى 18/7/1978 وعنه صدر قرار جمهوري بترقية قائد لواء تعز علي عبدالله صالح إلى رتبة مقدم وتعيينه رئيساً لهيئة الأركان.
ومن مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر (ص226) نفهم أن رئيس هيئة الأركان المقدم علي عبدالله صالح بدأ بعد مقتل الغشمي مباشرة يتصرف كما لو أنه هو الرئيس القادم، وأن المشايخ لم يكونوا راغبين فيه لاعتقادهم أنه غير قادر على تحمل المسؤلية، ثم أضاف في (ص227) يقول إن «المملكة العربية السعودية جاءت بطائرة تنقلني إلى هناك لإقناعي بعلي عبدالله صالح»، ثم يضيف في الصفحة نفسها أن السعودية دعمت علي عبدالله صالح بقوة وبشكل واضح، وأن الملحق العسكري السعودي العميد صالح الهديان بذل جهوداً كبيرة لإقناع المشايخ، وأن علي بن مسلم وصل من السعودية إلى صنعاء لإقناعه وبقية المشايخ بعلي عبدالله صالح، وأن بن مسلم هذا لم يغادر صنعاء إلا بعد أن تمت الأمور.
أما الشيخ سنان أبو لحوم فيقول في الجزء الثالث من مذكراته (ص250) «بعد تشييع الغشمي اتصل رئيس الأركان علي عبدالله صالح يدعونا للاجتماع به في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ووجدت لديه الأخ علي أبو لحوم، وكان حديث صالح ينم عن طموحه إلى الحكم فقد تحدث معنا كأنه المسؤول الأول، وخرجنا متأكدين أنه سيتولى الرئاسة».
ومهما يكن من أمر فإن الرجل الذي بدأ حياته العملية جندياً في صفوف الشق الجمهوري من الثورة المضادة قد أصبح الآن رئيساً للجمهورية بدعم سعودي غير مسبوق وبإجماع أعضاء مجلس الشعب التأسيسي لم يخرج عليه إلا محمد عبدالرحمن الرباعي.
الجدير بالذكر هنا أن مراكز القوى التي استعان الحمدي عليها بعلي عبدالله صالح كانت هي أول من التف حول هذا الرجل، ما يعني أن اصطفافه مع الحمدي ضدها كان مسرحية متقنة.
11 فبراير 2024