ما هي العدالة الاجتماعية؟ وما هو الفرق بينها وبين الاشتراكية؟
الثوري – كتابات/
يحيى محمد سيف:
بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية حبيت أن اشارك في هذا الموضوع الذي أردت من خلاله الحديث عن مفهوم العدالة الاجتماعية والفرق بينه وبين مفهوم الاشتراكية، نظرًا للبس الحاصل لدى البعض حول هذا الموضوع ولكن قبل هذا الحديث أود أن أشير إلى أن العدالة تعني بإيجاز شديد الإنصاف، وبأنه قد جاءت كل الرسالات السماوية والأنبياء والرسل والمصلحين الاجتماعيين والمفكرين والمنظرين السياسيين، لتحقيق العدل والعدالة والانصاف بين بني الإنسان منذ آلاف السنين، (فالعدل في الاسلام على سبيل المثال يعد فريضة واجبة على الحكام نحو الرعية والمحكومين، والعدل في ألمعاملات بين الرعية بعضهم البعض وبين المسئولين ومن تحتهم امر الله به وحض عليه في القران الكريم)، إلا أن التحقيق الشامل لهذه القيمة الإنسانية والدينية والأخلاقية العليا كانت ولازالت تصطدم بالمصالح الطبقية والاقتصادية والسياسية لهذا المجتمع أو ذاك من المجتمعات الإنسانية، بل إن مفهوم العدل ذاته كما جاء في كتاب تعريف بعض المصطلحات السياسية (يختلف تبعًا لاختلاف المجتمعات وتطورها التاريخي بحيث أن ما كان يعتبر عدلًا في ظرف اجتماعي ما، قد لا يعتبر عدلًا في ظرف آخر.
فالمجتمع القائم على العبودية والذي تشكل ملكية الإنسان اللإنسان قاعدته الاقتصادية لم يكن يستنكر الاستعباد، والعدالة في ظل المجتمع الإقطاعي كانت ترتكز على استغلال الاقطاعيين للفلاحين والعدالة في المجتمع البرجوازي الحديث ترتكز على المساواة بين المواطنين أمام القانون ولكنها تجعل هذه المساواة شكلية من الناحية العملية).
وبعد هذا التمهيد الموجز عن مفهوم العدالة بشكل عام سوف نتحدث وبشكل موجز ايضا عن مفهوم العدالة الاجتماعية ودوافع وأسباب إبتكار هذا المصطلح وهذا ومفهومه، وإبراز أوجه الإلتقا والاختلاف بين مفهوم العدالة الاجتماعية والاشتراكية وذلك على النحو الآتي:
▪ فالعدالة الاجتماعية هي مفهوم إصلاحي، حاول المبتكرين لهذا المفهوم أن يزينوبه وجه المجتمع الإقطاعي والرأسمالي الذي كان ولايزال قائمًا في الكثير من البلدان، وذلك من خلال تحقيق بعض المكاسب للشرائح الاجتماعية الكادحة، كتحديد الحد الأدنى للأجور، ومجانية العلاج والتعليم وبعض الضمانات الاجتماعية.
وأن دعاة هذا الاتجاه كانو يعتقدون، في ضل الصراع الذي كان قائمًا بين المعسكر الغربي الرأسمالي والمعسكر الشرقي الاشتراكي وخصوصًا اثنا الحرب الباردة أنهم من خلال مفهوم العدالة الاجتماعية سوف يلغون الحاجة إلى قيام النظام الاشتراكي في هذا البلد أو ذاك، أو أنهم سوف يخففون من التوترات الاجتماعية الناتجة عن الاستغلال الرأسمالي أو الاقطاعي، وان مفهوم العدالة الاجتماعية اصبح شعار يرفعه المعادون اللاشتراكية كوسيلة تبريرية للمحافظة على النظام الاقتصادى الرأسمالي كما هو عليه، وبعد إنهيار المعسكر الاشتراكي حاول البعض أن يقدم هذا المفهوم كمفهوم بديل للاشتراكية أما بهدف مقصود أو بسبب الجهل وعدم المعرفة بمضامين المفهومين وأين يلتقيان ويتقاطعان، بل ان مفهوم العدالة الاجتماعية في أوساط بعض الدول وخصوصًا لدول النامية التي كانت تطبقه قبل إنهيار المعسكر الاشتراكي أصبحت تتخلى في هذه المرحلة عن تطبيق أهم الجوانب المهمة منه كمجانية العلاج وغيره.
ومجمل القول هنا، إن العدالة الحقيقية هي تلك التي تقوم على اعتبار الإنسان قيمة عليا وتسعى لتحقيق الفرص والمواطنة المتساوية للمواطنين وتحقق نصيب كل مواطن من الثروة الوطنية على أساس الحاجة المشروعة والجهد المبذول، وأن هذا المفهوم للعدالة الاجتماعية لا يتحقق بالاصلاح الجزئي أو بإعطاء المكاسب البسيطة للمواطنين كحلول نهائية، وإنما يتحقق بقيام النظام الاشتراكي الذي يهدف إلى القضاء على استغلال الإنسان للإنسان وتحقيق الكفاية والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء المجتمع، ومن هنا يكمن جوهر الاختلاف بين الاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
ختامًا.. نود التأكيد على ما جاء في (كتاب تعريفات لبعض المصطلحات) بأن هذا المفهوم المحدد للعدالة لايلغي العدالة كقيمة عليا وهدف يشكل الأساس الفلسفي للا شتراكية ذاتها.